مسيلمة في المُفَصَّل

نسخة معدلة في :
http://mussaylimah.blogspot.com


ذكر مسيلمة في المُفَصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام
للدكتور جواد علي
 (مختصر)

وأما عبادة "الرحمن" "رحمنن"، فهي عبادة توحيد، ظهرت من جزيرة العرب فيما بعد الميلاد.

وقد كان أهل مكة على علم بالرحمن، ولا شك، ...

كل هذه وأسباب أخرى، تناقض رأي القائلين بأن عقيدة الرحمن عقيدة اقتبست من اليهود.


وذكروا ان "الرحمن" اسم مخصص باللَه، لا يجوز أن يسمى به غيره. وأن قوماً من الجاهليين كانوا يدينون بعبادة "الرحمن"."وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى ردّ الله عليهم ذلك بقوله: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى. ولهذا قال كفّار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعلي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري. وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة".


وذكر أن المشركين سمعوا النبيّ يدعو ربه، يا ربنا الله ويا ربنا الرحمن، فظنوا أنه يدعو إلهين، فقالوا: هذا يزعم أنه يدعو واحداً، وهو يدعو مثنى مثنى. وأن أحدهم سمع الرسول يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم فقال لأصحابه: انظروا ما قال ابن أبي كبشة دعا الرحمن الذي باليمامة. وكان باليمامة رجل يقال له الرحمان.


 وورد ان قريشاً قالوا للرسول: "انا قد بلغنا انك إنما يعلمك رجل باليمامة، يقال له الرحمن ولن نؤمن به أبدا". فنزل فيهم قوله: "كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا اليك، وهم يكفرون بالرحمن، قل هو ربي لا إلهَ إلا هو عليه توكلت واليه متاب".

وذكروا أنه كان يسمى ب "الرحمان" قبل مولد "عبد الله" والد رسول الله، "وكانت قريش حين سمعت: بسم الله الرحمن الرحيم، قال قائلم:  دق فوك، إنما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة ". وذكروا أنه دعا إلى الرحمان، أي إلى عبادة الرحمان. بينما عرف نفسه ب "الرحمن"، فقيل له: "رحمان اليمامة". وأنه دعا إلى عبادته هذه قبل النبوة، وقد عرف أمره بمكة، فلما نزل الوحي على الرسول، قال أهل مكة إنما أخذ علمه من "رحمان" اليمامة. وقالوا له: ألا إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن، ولن نؤمن به أبدا ". فأنزل الله سبحانه: وهم يكفرون بالرحمن. قل: هو ربي. كان مسيلمة بن حبيب الحنفي، ثم أحد بني الدول قد تسمى بالرحمن في الجاهلية، وكان من المعمرين. ذكر وثيمة بن موسى أن مسيلمة تسمى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله ابو رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال "الواحدي" في أسباب نزول الاية: "وهم يكفرون بالرحمن، قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب :

 قال أهل التفسير : نزلت في صلح الحديبية ، حين أرادوا كتاب الصلح . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل بن عمرو والمشركون : ما نعرف الرحمن ، إلا صاحب اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب . اكتب باسمك اللهم . وهكذا كانت الجاهلية يكتبون ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا }  ، أن مسيلمة كان يدعى الرحمن . فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، اسجدوا للرحمن قالوا : أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة بالسجود له. أو أنهم قالوا : ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة . يعنون مسيلمة "الكذاب"  .
ولا يعقل قول من قال إن مسيلمة كان يعرف بـ الرحمن قبل ولادة عبد الله والد الرسول . أما أنه كان أسن من الرسول فلا غرابة في ذلك ، ولكني لا أرى أنه كان أكبر من الرسول بعشرات السنين . ومن الجائز أن يكون قد دعا إلى عبادة الرحمن ، وهي عبادة كانت شائعة معروفة إذ ذاك ، في اليمامة وفي غير اليمامة ، فعرف بين قومه بـ رحمن اليمامة ، وذلك قبل نزول الوحي على الرسول ، فسمع أهل مكة بدعوته .
وورد في رواية أن أبا جهل سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الحجر ويقول : يا الله يا رحمن . فقال : كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة ، وهو يدعو إلهين . فنزلت هذه الآية ، : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن }  .
وفي هذا الخبر إن صح، دلالة على أن أهل مكة كانوا قد سمعوا بعبادة الرحمن وأنهم سمعوا أن قوما من الجاهليين دعوا إلى عبادته ، وأن أبا جهل كان قد سمع قولهم ، ولهذا آخذ على النبي قوله : يا الله يا رحمن . ولا يعقل ألا يكون لأهل مكة علم بعبادة الرحمن التي تحدثت عنها في موضع آخر ، وقد كان لهم اتصال باليمن وباليمامة وبمعظم أنحاء جزيرة العرب. وأرى أن "مسيلمة" كان قد دعا إلى عبادة الرحمن متأثراً بدعوة المتعبدين له ممن كان قبله على ما يظهر، وهي عبادة إلهٍ اسمه "الرحمن" فعرف مسيلمة ب "الرحمن" وب "رحمن اليمامة". وعبادة الرحمن ديانة متأزرة بفكرة التوحيد، وبوجود إله واحد هو "الرحمن" رب العالمين..

ويظهر من غربلة ما ذكره أهل الأخبار عن "مسيلمة" أنه كان أكبر عمرا من الرسول. وأنه كان قد تكهن وتنبأ باليمامهّ ووجد له أتباعا قبل نزول الوحي على النبي. وأن أهل مكة كانوا على علم برسالته.

...
وكان "مسيلمة" يدعي أن معه رئياً في أول زمانه،
...
...فلما عادوا إلى ديارهم، ادعى مسيلمة النبوة، وشهد "رحال بن عنفوة" "الرحال بن عنفوة"، أن رسول الله، أشركه في الأمر، فتبعه الناس. وكان "الرحال" قد تعلم سوراً من القرآن، فنسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن، فكان من أقوى أسباب الفتنة على "بني حنيفة". قتله "زيد بن الخطّاب"، يوم اليمامة.
وذكر "الطبري"، أن "مسيلمة" كان يصانع كل أحد ويتألفه ولا يبالي أن يطلع الناس منه على قبيح. "وكان معه نهار الرجّال بن عنفوة" وكان قد هاجر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه معلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أنه سمع محمداً، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وأمروه بمكاتبة النبي، صلى الله عليه وسلم، ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه، فكان نهار الرجال ابن عنفوة لا يقول شيئا إلا تابعه عليه ؛ وكان ينتهي إلى أمره. وكان الذي يؤذن له: عبد الله بن النواحة، وكان الذي يقيم له "حجير ين عمير"، ويشهد له، وكان مسيلمة إذا دنا حجير من الشهادة، قال: صرح حجير، فيزيد في صوته، ويبالغ لتّصديق نفسه، وتصديق نهار وتضليل منَ كان قد أسلم، فعظم وقاره في أنفسهم.

... فلما انتهى إلى اليمامة ارتدّ عدو الله وتنبأ وتكذّب لهم، وقال: إني قد أشركت في الأمر معه،


هذا ولا بد لي من التنبيه إلى أننا لا نستطيع التأكيد بأن ما نسب إلى مسيلمة من كلام هو حق وصحيح. فمن الجائز أن يكون قد وضع عليه وضعاً.


وكان الناس يقصدون "مسيلمة" ليسمعوا منه، بعد أن اشتهر أمره. وقد تمكن من التأثير في بعضهم.


وذكر أهل الأخبار أن مسيلمة كان صاحب "نيرجات" و. تمويه واحتيال. يدًعي المعجزات والآيات، وانه أول من أدخل البيضة في القارورة، وأول من وصل جناح الطائر المقصوص، وكان يدّعي ان ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها.

وقد ذكر "الطبري" هذه الملاحظة: "وانما استبان ذلك بعد مهلكه".
وقد عرف "مسيلمة" بين أتباعه ب "رسول الله"، وكانوا يتعصبون له، ويؤمنون به إيماناً شديداً. وذكر أن "طلحة النميري" جاء إلى اليمامة، فقال: "اين مسيلمة؟ قالوا: مه.. رسول اللّه! فقال: لا، حتى أراه، فلما جاءه. قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم. قال: من يأتيك؟ قال: رحمن، ...
ويظهر من بعض ملاحظات "الطبري" عن هذه الأخبار، أنها إنما ظهرت، وقيلت بعد هلاك "مسيلمة ".

وقال في موضع آخر: "وانما استبان ذلك بعد مهلكه "، و " استبان ذلك بعد مهلكه ". ولهذه الملاحظات أهمية كبيرة بالطبع في تقييم هذه الروايات وصحتها، فالعادة أن من يفشل ويهلك لا سيما اذا كان قد نال حظاً من المكانة والجاه والاسم، يحمل عليه كثيراً، ولا يتورع حتى أصحابه ومن كان يؤمن به من الدس عليه.


ورووا أنه تزوّج "سجاح" التي تنبأت، وهي تميمة من "بني يربوع"، وكان يقال لها "صادر" وكان لها مؤذن، يقال له "زهير بن عمرو"، من "بني سليط بن يربوع"، ويقال إن "شبث بن ربعي" أذن لها.

وذكروا أنها كانت كاهنة زمانها، تزعم أن رئيها ورئي سطيح واحد، ثم جعلت ذلك الرئي ملكاً حتى ادعت النبوة، ...

والذي يقرأ ما ذكره "الطبري" عن "مسيلمة" وعن صلة "نهار" به، يخرج بصورة تظهره شخصاً جاهلاً بليداً، يحركه ويوجهه "نهار" حيث يريد، لا يفهم ولا يعقل، ولا يعرف كيف يتصرف، ولا يتخذ رأياً حتى يشير عليه "نهار" به. "فكان نهار الرجّال بن عنفوة لا يقول شيئاً إلا تابعه عليه". وهي صورة تخالف ما نقرأه عنه في الموارد الأخرى. ولو كان "مسيلمة" على نحو ما صوّره الطبري، لما التفت حوله "بنو حنيفة"، ولما استماتوا في الدفاع عنه. ولما ضحى "الرحال بن عنفوة" و "محكم بن الطفيل" وغيرهما بأنفسهم في الدفاع عنه. حتى ان منهم من بقي مؤمناً به حتى بعد مقتله، وتغلب المسلمين على اليمامة.


هذا ولم أجد في الأخبار المتعلقة بمسيلمة خبراً يفيد صراحة أن مسيلمة كان قد اعتنق الإسلام ودخل فيه. فالأخبار التي تتحدث عن مجيئه إلى يثرب لا تشير إلى ذلك، والأخبار الأخرى التي تتحدث عنه وهو في اليمامة لا تشير إلى قبوله الإسلام كذلك، بل نجد فيها كلها أنه ظل يرى نفسه نبياً مرسلاً من "الرحمن" وصاحب رسالة، لذلك فليس من الصواب أن نقول: "ردة مسيلمة"، أو "ارتداد مسيلمة"، أو نحو ذلك، لأنه لم يعتنق الإسلام ثم ارتد عنه، حتى ننعته بالمرتد.


وكان "مجاعة بن مرارة" الذي نزل عليه "مسيلمة"، من رؤساء "بني حنيفة" وممن وفد على الرسول، فأعطاه النبي أرضاً باليمامة يقال لها "الغورة"، وكتب له بذلك كتاباً. وذكر بعض أهل الأخبار انه كان بليغاً حكيماً وقد أسر "يوم اليمامة"، فتوسط له بعض وجوه "بني حنيفة"، لدى خالد أن يبقيه، فارسله إلى "أبي بكر"، فصفح عنه. وقد كان قد انجرف مع من انجرف فمال إلى "مسيلمة" وأيده، وحارب معه. وله شعر أشار فيه إلى مسيلمة، ونعته فيه ب "الكذاب". ولما وفد على "أبي بكر." اقطعه "الخضرمة"، ثم قدم على عمر، فأقطعه الرياء، ثم قدم على عثمان، فأقطعه قطيعة أخرى.


وأما "الرحال بن عنفوة" "رحّال بن عنفوة"، فهو "نهار الرجال بن عنفوة"،"الرجّال بن عنفوة" في تأريخ الطبري. وهو من وجوه "بني حنيفة" واسمه "نهار"، وكان في الوفد الذي جاء إلى الرسول، وقد اختلف إلى " أبي بن كعب" ليتعلم منه القرآن. وكان رئيس وفد "حنيفة" "سلمى بن حنظلة". وقد تعلّم سورة البقرة وسُوَرا من القرآن. وذكر انه كان على غاية من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير، ثم انقلب على عقبيه وصار من أشد أعوان مسيلمة المقربين له، فشهد له ان الرسول أشركه معه في الأمر. وكان احد وفد "بني حنيفة" إلى رسول الله، ...


هذا هو كل ما ورد إلى علمنا عن الأنبياء العرب في الجاهلية. وقد حصلنا عليه من المؤلفات الإسلامية. أما نصوص جاهلية، فيها شيء عن النبوة والأنبياء، فلم يصل إلينا منها أي شيء.


واذا صح ما ذكره أهل الأخبار من انه ادعى الوحي بمكهَ أو باليمامة قبل الإسلام، وانه نزّل على نفسه آيات زعم انها تنزيل من الرحمان، فيكون قد باشر بتأليف قرآنه قبل الوحي.



وكان من حديث "مسيلمة" إن قريشاً قالت للرسول: "بلغنا انه انما يعلمك هذا رجل باليمامة، يقال له الرحمان، وإنا والله ما نؤمن بالرحمان ابدا"، وذكر أهل الأخبار إن قريشا "حين سمعت: بسم الله الرحمن الرحيم، قال قائلهم: دق فوك، انما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة"، لأنهم كانوا قد سمعوا بدعوته إلى عبادة الرحمان، قبل نزول الوحي على الرسول. وورد "انهم لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن قالت قريش: أتدرون ما الرحمن ? هو كاهن اليمامة !". وقد قالوا لمسيلمة: رحمان، وقالوا أيضاً فيه: رحمان اليمامة.

وأنا لا أستبعد احتمال مجيئه إلى مكة قبل الإسلام. فقد ذُكر انه تزوج "كبشة" "كيسة بئت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس"، وهي من مكة، فلا يعقل عدم مجيئه. إلى مكة وإقامته بها بعض الوقت، ومجيئه إليها بين الحين والحين. ومن هنا كان لأهل مكة علم بدعوة مسيلمة إلى عبادة "الرحمان": وقد زعم أنه "كان يقول: أنا شريك محمد في النبوة، وجبريل عليه السلام ينزل علَي كما ينزل عليه، وكان رجال بن عنفوة من رائشي نبله، والحاطبين في حبله، والساعين في نصرته، وكان مسيلمة يقول: يا بني حنيفة، ما جعل الله قريشاً بأحق بالنبوة منكم، وبلادكم أوسع من بلادهم، وسوادكم أكثر من سوادهم، وجبريل ينزل على صاحبكم مثل ما يزل على صاحبهم.
...ولما صدر الرسولان إلى مسيلمة الكذاب افتعل كتاباً يذكر فيه انه جعل له الأمر من بعده، فصدّقه أكثر بني حنيفة.

فلما قتل، وضع أصحابه عليه أموراً كثيرة، قد يكون في جملتها هذه الآيات أما قرآنه الذي قيل إنه وضعه يضاهي به القرآن، فقد هلك بهلاكه، ولم أجد أحداً ذكر أنه وقف عليه، ونقل منه، ولعله كان كلاما لم يسجل في حياة مسيلمة، وإنما كان محفوظًا في صدر صاحبه وفي صدور أتباعه، ودخل من دخل من أصحابه في الإسلام وطمس أثر ذلك القرآن.


ويظهر أن بني حنيفة بقوا على تعلقهم بمسيلمة، حتى بعد مقتله وذهاب امره.

ففي خبر ينسب إلى "ابن معيز" السعدي انه مر على مسجد بني حنيفة، فسمعهم يذكرون "مسيلمة"، ويزعمون انه نبي، فأتى "ابن مسعود" فاًخبره، فبعث اليهم الشرط، فجاموا بهم فاستتابوا فخلي عنهم، وقدم "ابن النواحة" فضرب عنقه. هذا، ويدل تعلق "بني حنيفة" وغيرهم من عرب اليمامة بمسيلمهَ، واستماتتهم في الدفاع عنه، وتذكرهم له حتى بعد هلاكه، على انه كان شخصية موثرة قوية، سحرت أتباعها، حتى انقادوا له هذا الانقياد. وقد نص "ابن حجر" على قتل "ابن مسعود" لابن النواحة، إلا انه لم يذكر إن ذلك كان بسبب اعتقاده بنبوة "مسيلمة"، وانما ذكر انه "كان قد اسلم ثم ارتد فاستتابه عبدالله بن مسعود، فلم يتب فقتله على كفره وردته".

ويروى أن "الألخل" الضبعي، قال في مسيلمة:


لهفاً عليك أبا ثـمـامة    لهفا على ركني شمامه

كم آية لـك فـيهِـــمو      كالبرق يلمع في غمامه

وكان "الضبعي" شاعراً، زُعم انه ادعى النبوة، وكان يقول: لمضر صدر النبوة، ولنا عجزها، وقد ضرب عنقه "عمر بن هبيرة"، ومن شعره:


لنا شطر هذا الأمر قسمهّ عادل    متى جعل الله الرسالة ترتبـا.


أي راتبة في واحد،



وانا لا استبعد ما نسب إلى "مسيلمة" من دعوى نزول الوحي عليه، وتسمية ذلك الوحي "قرآناً" أو كتاباً أو سفراً، أو شيئاً آخر، ولكني استبعد صحة هذه الايات التي نسبتها الكتب إليه، وأرى أن أكثرها ورد بطريق آحاد، فلما نقلها الخلف عن السلف، وكثر ورودها في الكتب ظهرت وكأنها أخبار متواترة، وصارت في حكم ما أجمع عليه.


 ثم إننا نجد الرواة يناقضون أنفسهم كثيراً فيما نسبوه إليه، وبعضه مما لا يعقل صدوره من مسيلمة، مثل شعره الذي قاله لسجاح، حين أراد الدخول بها. وهل يعقل أن يقول إنسان يدعي النبوة مثل هذا الكلام الفاحش أمام الناس، ليدون ويسجل عليه!